-A +A
عزيزة المانع
انتهت معركة الانتخابات الرئاسية الشرسة في الولايات المتحدة الأمريكية وما خمدت جذوتها حتى الآن، كان فوز دونالد ترامب بالرئاسة مفاجأة لكثيرين، وطامة كبرى على رأس منافسته ومؤيديها، إلا أن العادة الأمريكية جرت بقبول نتائج الانتخابات برضا وتسليم أيا كانت، عدا هذه المرة، فإن الأمر قد لايكون كذلك.

على إثر إعلان فوز ترامب بالرئاسة اشتعلت الاحتجاجات في صفوف المعارضين له، وانطلق آلاف المتظاهرين يهتفون ضده في 25 مدينة من المدن الأمريكية، واضطر الأمن إلى اعتقال عدد منهم بعد أن تحول مجرى المظاهرات إلى منحى خطر محفوف بالتخريب والاعتداءات ومطالبة بعض الولايات بالانفصال.


هل هذه أولى نسائم (ربيع أمريكي) آخذ في الهبوب على السماء الأمريكية؟ هل آن لأمريكا أن تشرب من الكأس التي عمدت إلى سقيها للشرق الأوسط؟ هل هي بداية لفوضى خلاقة تعيد تشكيل خريطة الولايات المتحدة الأمريكية؟

قد يكون وقد لا يكون، فمن الصعب التنبؤ بشيء، وما علينا سوى أن ننتظر ونرقب.

ولكن إن كانت الفوضى والاحتجاجات انبثقت في صفوف مؤيدي هيلاري كلينتون، فإن كلينتون نفسها لم تنحدر لتنضم إلى تلك الصفوف، من شاهدها وهي تلقي كلمتها بعد إعلان النتيجة، لا يملك سوى أن يعجب بهذه المرأة القوية كيف أنها بدت هادئة الأعصاب، متمالكة الانفعالات، ترسم ابتسامة باهتة على شفتيها تجاهد إخفاء ملامح الخيبة والقهر البادية في عينيها.

كانت فحوى كلمتها خير ما يمثل الحضارة والوعي والرقي الفكري، بدأت بالاعتراف بمشاعر الخيبة والألم التي أحدثتها هذه النتيجة غير المتوقعة، فكان في ذلك الاعتراف صدق مع النفس ومع الآخرين يخفف من ألم الضغط النفسي الذي يحدث عند المكابرة أو الإنكار. هنأت منافسها بالفوز وتمنت له التوفيق كما جرت العادة بذلك، ثم التفتت إلى ناخبيها ومؤيديها تذكرهم بأنه حتى وإن جاءت نتيجة الانتخابات بغير ما كانوا يطمحون إليه ويعملون من أجله، إلا أن عليهم أن يقبلوا بها، فالغاية المشتركة بين الجميع هي خدمة الوطن وتحقيق مصالحه، وإن اختلفت وجهات النظر في كيفية تنفيذ ذلك.

كنت أصغي إلى خطاب كلينتون، وذهني سارح في تلك الادعاءات التي تساق عن كون المرأة عاطفية وانفعالية، تعجز عن ضبط مشاعرها وتنخرط في البكاء بسرعة ولأتفه الأسباب، كنت أرى أمامي امرأة صلبة، رابطة الجأش، متميزة التعبير، تقدم حكم العقل وترتقي فوق مشاعر الألم. فكيف يمكن التوفيق بين تلك الادعاءات، وما يظهر مجسدا أمامي؟!

هيلاري كلينتون ليست المرأة الوحيدة التي لا تنطبق عليها (مواصفات طبيعة المرأة) التي يتداولها بعض الناس، هناك نساء أخريات كثر يماثلن كلينتون في عدم انطباق المواصفات الموضوعة للمرأة عليهن، مثل انديرا غاندي رئيسة وزراء الهند، وبي نزير بوتو رئيسة باكستان، ومارجريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا، وانجلا ميركل المستشارة الألمانية، وغيرهن، فأيا نصدق، هل نصدق تلك (النظريات) المدعاة عن طبيعة المرأة؟ أم هذا الواقع الحي الذي نعيشه؟.